يعد مؤلف كتاب سيكولوجيا الجماهير جوستاف لوبون المولود في فرنسا عام 1841 مؤسس علم النفس الاجتماعي، وهو طبيب ومؤرخ فرنسي كتب في مجالات عدة من بينها الآثار والحضارة والتراث الإنساني، وهو من فلاسفة الغرب الذين امتدحوا الحضارة العربية والإسلامية وأشادوا بها.
إن علم النفس الاجتماعي هو علم يدرس الصراع النفسي للمجتمع ويبحث في مشاكل الأقليات والطوائف المختلفة، ويمكن دراسته ضمن كليات علم النفس حيث بات هذا متاحاً في أوروبا، وخلال عملي بالمصادفة شاهدت طلاباً يدرسونه كتخصص جامعي في مرحلة الماجستير والدكتوراه ضمن جامعة السوربون.
ملخص كتاب سيكولوجيا الجماهير
يبدأ كتاب سيكولوجيا الجماهير في الحديث عن روح الشعب التي تتشكل من خصائص مشتركة تفرضها البيئة والوراثة بشكل رئيسي، ويرى المؤلف أن هذه الخصائص تعود في النهاية إلى الأسلاف المشتركين لأبناء الشعب، وعندما تتجمع أفكار هؤلاء الأفراد في مكان واحد فإن روحاً كبيرة وقوية جداً تتشكل ولكنها روح مؤقتة في الوقت نفسه، وتضمحل بمجرد تفرق أبناء الشعب.
صفات الجماهير من الناحية النفسية
يتشكل الجمهور من أفراد كثيرين ومختلفين عن بعضهم البعض بالصفات، ويمتلك الجمهور صفات جديدة غير موجودة في أفراده، فالصفات العامة للجمهور مختلفة عن صفات كل فرد لوحده، وذلك لأن الخصائص الفردية تذوب معاً لتشكل خصائص جماهيرية واحدة.
وإن أبرز صفات الجماهير من الناحية النفسية هي الهيمنة المطلقة للشخصيات اللاواعية بعد ذوبان الشخصيات الواعية، وعندها يصبح الفرد مقاداً بأفكاره وعواطفه وتابعاً لقوى التحريض الاجتماعي، وفي هذه الحالة فإن القوى العقلية للفرد تنخفض ويسود الغباء وينخفض مستوى ذكاء الأفراد فتتكون عقلية جماهيرية هي أضعف من عقليات جميع الأفراد.
في مثل هذه الحالات وعند التحام الجماهير فإن الفرد يصبح قابلاً لتصديق الخرافة والجهل فيصدق كل ما قد يقال له وهنا يتساوى العالم والجاهل معاً، كما تنتشر الأوهام التي تحول كتب التاريخ إلى كتب ضعيفة القيمة وغير نافعة.
العواطف تحركها الشعارات
تميل الجماهير بشكل عام للتعصب والاستبداد والنزعة المحافظة المحاربة للتغيير والتقدم، يشمل هذا العادات والتقاليد والتراث وكل شيء يمس الهوية، وهي في معظم الأحيان تكون تابعة للسلطة ومرتهنة للعبودية، فإذا ضعفت هذه السلطة انقلبت الجماهير عليها وسادت الفوضى، ومن الأشياء الطريفة أن المصلحة هي الدافع الرئيسي لاتخاذ القرارات عند الفرد، لكنها ليست محركاً أساسياً لدى الجمهور فمن المحتمل أن يسعى الجمهور لفكرة ويحاول تطبيقها حتى وإن كان يرى أنها ضد مصلحة أفراده من الناحية الشخصية.
أفكار الجماهير
تمتلك الجماهير نوعين من الأفكار، النوع الأول هو الأفكار الأساسية والنوع الآخر هو الأفكار الثانوية وتأتي الأفكار بشكل عام من المحرضات، وتكون أفكار الجمهور بسيطة جداً ولكنها إذا تمكنت من روح الجماهير صار من الصعب مواجهتها.
من الممكن أن يحمل الجمهور أفكاراً متناقضة في وقت واحد وهذا يحدث أحياناً، وذلك لأن الجماهير تعتمد على العواطف ولا تفكر بالناحية العقلية حتى أنها لا تهتم بصحة الفكرة والبرهنة عليها وإنما هي تهتم بالعواطف.
يستخدم قادة الجمهور العواطف للتأثير على أتباعهم لأن العواطف هي من تتحكم بالناس وتحول بينهم وبين الفكرة الصحيحة المبرهن عليها، لهذا نقول: لا يمكن التأثير على الجمهور باستخدام الحجج العقلية، لأن هذا سيكون ضعيفاً للغاية.
لاحظ مؤلف الكتاب أن الجماهير قد تربط بين صور مكثفة ومتلاحقة حتى وإن كانت غير مترابطة فيما بينها، وقد تتأثر الجماهير بالأفكار الساحرة المبنية على الخرافة.
آراء الجماهير وعقائدها
إن الغرائز هي أكثر ما يحرك الجماهير ولهذا فإن التعليم والتربية هي أدوات ضعيفة للغاية عند التعامل مع أي جمهور، ولهذا فإن الأمم تحتاج إلى سنوات لبناء نظام حكم جيد كما تحتاج إلى سنوات أخرى لهدم نظام الدولة.
من محركات آراء الجماهير وعقائدها الصور والكلمات والشعارات حيث أن الجمهور يتأثر بهذه المحددات وغالباً ما يبحث المحرضون على كلمات جديدة لإحداث الأثر المطلوب في الناس، يمكن اعتبار الأوهام من المحركات لآراء الجمهور أيضاً وذلك لأنها عامل رئيسي في تحديد أفكار الجماهير كما أن كل الحضارات لا تكاد تخلو من الأوهام.
من العوامل الرئيسية لتحديد أفكار الجماهير وعقائدها، التجربة، وهي تعمل على تحرير الجماهير من الأوهام، ولكن يجب أن تكون التجربة من الزمن نفسه وأن لا تكون من أزمنة بعيدة مما يجعل الجماهير أقل تأثراً بالقصص والتجارب التي يتعرفون عليها.
إن آخر العوامل المحددة لأفكار الجماهير هو العقل وذلك فقط عندما يتم تحييده، لأن محرضي الجماهير يخاطبون العواطف اللاواعية ولا يخاطبون العقول.
وسائل الإقناع عند محرك الجماهير
يعتمد من يحرك الجماهير على الغرائز لأنها أفضل محرك، ولهذا فإن الجماهير تحتاج إلى من يقودها مستخدماً غرائز القطيع، وتنتقل الأفكار بين طبقات الجماهير بالعدوى.
تحدد هيبة المحرك للجماهير سرعة انتقال الأفكار بين طبقة وأخرى، وقد تكون هيبة المحرك للجماهير موروثة أو مستندة إلى الشهرة أو الثروة المالية الكبيرة والنجاحات الاجتماعية، كما أن المحرك للجمهور يحظى بالاحترام إن كان منتصراً ولكنه إن تعرض للهزيمة فعندها يحصد احتقار الناس نتيجة للضعف الذي يعيشه.
تغيير عقائد الجماهير والآراء
إن العقائد الثابتة لدى الجماهير هي العقائد العامة ومن الصعب تغييرها من جذورها، وهي لا تتغير إلا بعد التغييرات الثورية التي من الممكن أن تؤدي إلى إبعاد شعب ما عن عقائده، وهذا يحدث نادراً في تاريخ الشعوب.
تصنيف فئات الجماهير
يمكننا تصنيف فئات الجماهير إلى جماهير متجانسة وجماهير غير متجانسة، فالجماهير المتجانسة هي الطوائف والزمر والطبقات، وتضم الطوائف أشخاصاً مختلفين لا يجمعهم إلا العقيدة الدينية ومن الأمثلة على ذلك الطوائف الدينية.
والزمر مثالها الزمرة العسكرية والأدبية وهي زمرة في أعلى التنظيم لدى الجماهير، أما الطبقات فهي ما يجمع ذوي الأصول غير المشتركة من الأفراد الذين تجمعهم المصلحة.
الجماهير غير المتجانسة هي مغفلة وغير مغفلة، ويقصد بالجماهير المغفلة جماهير الشارع، وأما الجماهير غير المغفلة فهي المجالس البرلمانية والنيابية، الجماهير البرلمانية كغيرها من الجماهير قابلة للتحريض والعدوى، والمجالس النيابية آخر مكان يمكن للعبقرية أن تشع فيه. لكنها رغم ذلك أفضل طريقة وجدتها الشعوب حتى الآن من أجل حكم نفسها.
الجماهير المجرمة والجماهير الانتخابية
التحريض الدائم يؤدي للجرائم وهنا يعتقد مرتكبوها أنهم لم يرتكبوا أي شيء إلا القيام بواجبهم تجاه قضيتهم، أما الجماهير الانتخابية فهي التي تؤثر فيها الصفات الشخصية للمرشح وهنا ينبغي عليه أن يتملقها ويغرقها بالأوهام والمنافع.
تسهم الهجرات في تشكل مجتمعات جديدة من أصول مختلفة، ومع الزمن تولد حضارة جديدة وبعد أن تصل الحضارة إلى مستوى من القوة فهي تتوقف عن النمو وبعدها تصبح مرتهنة للانحطاط السريع، ويرغب الشعب في فترة التوقف عن النمو بالانقسام والعودة إلى مرحلة البداية وهذه هي دورة الحياة الخاصة بأي شعب، ذلك لأن الشعب يتشكل بناءً على حلم كبير ثم بمجرد أن يفقد هذا الحلم قوته يحدث الانقسام ثم التفكك.